فصل: (فَصْلٌ): حكم موت الْمُسْتَحِقِّ لِلْقَسَامَةِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: كشاف القناع عن متن الإقناع



.(فَصْلٌ): حكم موت الْمُسْتَحِقِّ لِلْقَسَامَةِ:

(وَإِنْ مَاتَ الْمُسْتَحِقُّ) لِلْقَسَامَةِ (انْتَقَلَ إلَى وَارِثِهِ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْأَيْمَانِ عَلَى حَسَبِ مَوَارِيثِهِمْ) كَالْمَالِ (وَيُجْبَر الْكَسْرُ فِيمَا عَلَيْهِمْ) أَيْ وَرَثَةِ الْمُسْتَحِقِّ (كَمَا يُجْبَرُ فِي حَقِّ وَرَثَةِ الْقَتِيلِ) لِعَدَمِ تَبْعِيضِ الْيَمِينِ (فَإِنْ مَاتَ بَعْضُهُمْ) أَيْ بَعْضُ وَرَثَةِ الْمُسْتَحِقِّ (قُسِمَ نَصِيبُهُ مِنْ الْأَيْمَانِ بَيْنَ وَرَثَتِهِ) عَلَى حَسَبِ مَوَارِيثِهِمْ لِقِيَامِهِمْ مَقَامَهُ (فَلَوْ كَانَ لِلْقَتِيلِ ثَلَاثَةُ بَنِينَ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ) مِنْهُمْ (سَبْعَةَ عَشَرَ) لِمَا سَبَقَ (فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمْ) أَيْ الْبَنِينَ (قَبْلَ أَنْ يُقْسِمَ) أَيْ يَحْلِفَ مَا عَلَيْهِ (وَخَلَّفَ ثَلَاثَةَ بَنِينَ) أَيْضًا ثُمَّ مَاتَ (قُسِمَتْ أَيْمَانُهُمْ بَيْنَهُمْ) أَيْ بَيْنَ بَنِيهِ (كُلُّ وَاحِدٍ سِتَّةُ أَيْمَانٍ) جَبْرًا لِلْكَسْرِ.
(فَإِنْ كَانَ مَوْتُهُ) أَيْ الِابْنُ (بَعْد شُرُوعِهِ فِي الْأَيْمَانِ فَحَلَفَ) الِابْنُ (بَعْضَهَا اسْتَأْنَفَهَا وَرَثَتُهُ وَلَا يَبْنُونَ عَلَى أَيْمَانِهِ لِأَنَّ الْخَمْسِينَ جَرَتْ مَجْرَى الْيَمِينِ الْوَاحِدَةِ) فَلَا تَتَبَعَّضُ (وَإِنْ جُنَّ) مَنْ تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ الْقَسَامَةُ (فِي أَثْنَائِهَا) أَيْ الْأَيْمَانِ (ثُمَّ أَفَاقَ أَوْ تَشَاغَلَ عَنْهُ الْحَاكِمُ فِي أَثْنَائِهَا تَمَّمَ) الْأَيْمَانَ وَبَنَى عَلَى مَا تَقَدَّمَ (وَلَمْ يَسْتَأْنِفْ) الْأَيْمَانَ (لِأَنَّ الْأَيْمَانَ لَا تَبْطُلُ بِالتَّفْرِيقِ) لِعَدَمِ اعْتِبَارِ الْمُوَالَاةِ فِيهَا (وَكَذَا إنْ عُزِلَ الْحَاكِمُ فِي أَثْنَائِهَا) أَيْ الْأَيْمَانِ (أَتَمَّهَا) أَيْ الْأَيْمَانَ (عِنْدَ) الْحَاكِمِ (الثَّانِي فَلَا يُشْتَرَطُ) فِي الْقَسَامَةِ (أَنْ تَكُونَ) الْأَيْمَانُ (فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ) لِظَاهِرِ الْخَبَرِ (وَكَذَا لَوْ سَأَلَهُ) الْحَالِفُ (الْحَاكِمُ فِي أَثْنَائِهَا) أَيْ الْأَيْمَانِ (إنْظَارَهُ فَأَنْظَرَهُ) ثُمَّ أَرَادَ إتْمَامَهَا فَإِنَّهُ يُبْنَى عَلَى مَا سَبَقَ لِمَا تَقَدَّمَ.
(فَصْلٌ وَإِذَا حَلَفَ الْأَوْلِيَاءُ) الْخَمْسِينَ يَمِينًا (اسْتَحَقُّوا الْقَوَدَ إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى) أَنَّهُ قَتَلَهُ (عَمْدًا) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«يُقْسِمُ خَمْسُونَ مِنْكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ فَيُدْفَعُ إلَيْكُمْ بِرُمَّتِهِ» (إلَّا أَنْ يَمْنَعَ مَانِعٌ) كَعَدَمِ الْمُكَافَأَةِ (وَصِفَةُ الْيَمِينِ: أَنْ يَقُولَ) الْوَارِثُ (وَاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ عَالِمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ لَقَدْ قَتَلَ فُلَانُ بْنُ فُلَانِ الْفُلَانِيِّ وَيُشِيرُ إلَيْهِ فُلَانًا ابْنِي أَوْ أَخِي) أَوْ نَحْوَهُ (مُنْفَرِدًا بِقَتْلِهِ مَا شَرَكهُ غَيْرُهُ عَمْدًا أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ أَوْ خَطَأً بِسَيْفٍ أَوْ بِمَا يَقْتُلُ غَالِبًا وَنَحْوِ ذَلِكَ) مِمَّا يُؤَدِّي هَذَا الْمَعْنَى (فَإِنْ اقْتَصَرَ) الْحَالِفُ (عَلَى لَفْظَةِ وَاَللَّهِ) لَقَدْ قَتَلَ فُلَانٌ إلَخْ (كَفَى) لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ تَغْلِيظٌ وَلَيْسَ بِلَازِمٍ كَمَا يَأْتِي فَلَا يَكُونُ نَاكِلًا بِتَرْكِهِ (وَيَكُونُ) لَفْظُ الْجَلَالَةِ (بِالْجَرِّ) فَيَقُول: وَاَللَّهِ وَبِاَللَّهِ وَتَاللَّهِ.
(فَإِنْ قَالَ وَاَللَّهِ) أَوْ بِاَللَّهِ أَوْ تَاللَّهِ (مَضْمُومًا أَوْ مَنْصُوبًا أَجْزَأَهُ قَالَ الْقَاضِي: تَعَمَّدَهُ أَوْ لَمْ يَتَعَمَّدهُ، لِأَنَّ اللَّحْنَ لَا يُحِيلُ الْمَعْنَى) أَيْ لَا يُغَيِّرُهُ (وَبِأَيِّ اسْمٍ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ تَعَالَى حَلَفَ) الْحَالِفُ (أَجْزَأَهُ إذَا كَانَ إطْلَاقُهُ) أَيْ مَا حَلَفَ بِهِ (يَنْصَرِفُ إلَى اللَّهِ) تَعَالَى وَيَأْتِي تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ فِي كَلَامِهِ (وَيَقُولُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ) إذَا تَوَجَّهَتْ إلَيْهِ الْيَمِينُ (وَاَللَّهِ مَا قَتَلْتُهُ وَلَا شَارَكْتُ فِي قَتْلِهِ وَلَا فَعَلْتُ شَيْئًا مَاتَ مِنْهُ وَلَا كَانَ سَبَبًا فِي مَوْتِهِ وَلَا مُعِينًا عَلَى مَوْتِهِ فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ الْمُدَّعُونَ أَوْ كَانُوا نِسَاءً حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ خَمْسِينَ يَمِينًا) لِمَا تَقَدَّمَ فِي خَبَرِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَهْلٍ.
(فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ الْمُدَّعُونَ وَلَمْ يَرْضُوا بِيَمِينِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَدَاه) أَيْ أَعْطَى دِيَتَهُ (الْإِمَامُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ) لِقِصَّةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَهْلٍ (فَإِنْ تَعَذَّرَ) أَخْذُ دِيَتِهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ (لَمْ يَجِبْ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ شَيْءٌ) لِحَدِيثِ «لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ» (وَإِنْ رَضُوا) أَيْ الْمُدَّعُونَ (بِيَمِينِهِ فَنَكَلَ) عَنْ الْيَمِينِ (لَمْ يُحْبَسْ) لِأَنَّهَا يَمِينٌ مَشْرُوعَةٌ فِي حَقِّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَلَمْ يُحْبَسْ عَلَيْهَا كَسَائِرِ الْأَيْمَانِ (وَلَزِمَتْهُ الدِّيَةُ) لِأَنَّهُ حَقٌّ ثَبَتَ بِالنُّكُولِ فَيَثْبُتُ فِي حَقِّهِ كَسَائِرِ الدَّعَاوَى (وَلَا قِصَاصَ) بِنُكُولِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ الْيَمِينُ لِأَنَّهُ حُجَّةٌ ضَعِيفَةٌ كَشَاهِدٍ وَيَمِينٍ (وَلَوْ رَدَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعِي فَلَيْسَ لِلْمُدَّعِي أَنْ يَحْلِفَ) بَلْ يُقَالُ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ إمَّا أَنْ تَحْلِفَ أَوْ جَعَلْتُكَ نَاكِلًا وَقَضَيْتُ عَلَيْكَ بِالنُّكُولِ (وَيُفْدَى مَيِّتٌ فِي زَحْمَةٍ كَجُمُعَةٍ وَطَوَافٍ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ) رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَاحْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ وَقَالَ الْقَاضِي فِي قَوْمٍ ازْدَحَمُوا فِي مَضِيقٍ وَتَفَرَّقُوا عَنْ قَتِيلٍ فَقَالَ: إنْ كَانَ فِي الْقَوْم مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ وَأَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ هُوَ قَتَلَهُ فَهُوَ لَوْثٌ.

.(كتابُ الْحُدُودِ):

(وَهِيَ جَمْعُ حَدٍّ وَهُوَ) لُغَةً الْمَنْعُ وَحُدُودُ اللَّهِ تَعَالَى مَحَارِمُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا} وَمَا حَدّه وَقَدَّرَهُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَعَدَّى كَتَزْوِيجِ الْأَرْبَعِ وَمَا حَدَّهُ الشَّرْعُ فَلَا تَجُوزُ فِيهِ الزِّيَادَةُ وَالنُّقْصَانُ وَالْحُدُودُ بِمَعْنَى الْعُقُوبَاتِ الْمُقَدَّرَةِ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ مِنْ الْمَنْعِ لِأَنَّهَا تَمْنَعُ مِنْ الْوُقُوعِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الذَّنْبِ وَأَنْ تَكُونَ سُمِّيَتْ بِالْحُدُودِ الَّتِي هِيَ الْمَحَارِمُ لِكَوْنِهَا زَوَاجِرَ عَنْهَا أَوْ بِالْحُدُودِ الَّتِي هِيَ الْمُقَدَّرَاتِ وَالْحَدُّ (شَرْعًا عُقُوبَةٌ مُقَدَّرَةٌ لِتَمْنَعَ مِنْ الْوُقُوعِ فِي مِثْلِهِ) أَيْ مِثْلِ الذَّنْبِ الَّذِي شُرِعَ لَهُ (وَتَجِبُ إقَامَتُهُ) أَيْ الْحَدُّ (وَلَوْ كَانَ مَنْ يُقِيمُهُ) مِنْ إمَامٍ أَوْ نَائِبِهِ أَوْ سَيِّدٍ (شَرِيكًا لِمَنْ يُقِيمُهُ) أَيْ الْحَدُّ (عَلَيْهِ) فِي تِلْكَ (الْمَعْصِيَةِ) أَوْ كَانَ مَنْ يُقِيمُهُ (عَوْنًا لَهُ) أَيْ لِمَنْ يُقِيمُهُ عَلَيْهِ فِي تِلْكَ الْمَعْصِيَةِ لِأَنَّ مُشَارَكَتَهُ أَوْ إعَانَتَهُ لَهُ مَعْصِيَةٌ وَعَدَمُ إقَامَتِهِ مَعْصِيَةٌ فَلَا يَجْمَعُ بَيْن مَعْصِيَتَيْنِ.
(وَكَذَلِكَ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ) لَا يَسْقُطُ بِالْمُشَارَكَةِ أَوْ الْإِعَانَةِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَأْمُرَ وَيَنْهَى (فَلَا يَجْمَعُ بَيْن مَعْصِيَتَيْنِ) بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِقْلَاعُ عَنْهُمَا (وَلَا يَجِبُ الْحَدُّ إلَّا عَلَى مُكَلَّفٍ) لِحَدِيثِ:
«رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ» وَلِأَنَّ غَيْرَ الْمُكَلَّفِ إذَا أُسْقِطَ عَنْهُ التَّكْلِيفُ فِي الْعِبَادَاتِ وَالْإِثْمُ فِي الْمَعَاصِي فَالْحَدُّ الْمَبْنِيُّ عَلَى الدَّرْءِ بِالشُّبُهَاتِ أَوْلَى (مُلْتَزِمٌ) أَحْكَامَ الْمُسْلِمِينَ فَيَخْرُجُ الْحَرْبِيُّ وَالْمُسْتَأْمَنُ وَيَدْخُلُ فِيهِ الذِّمِّيُّ وَتَقَدَّمَ فِي الْهُدْنَةِ أَنَّ الْمُعَاهَدَ يُؤْخَذُ بِحَدِّ آدَمِيٍّ لَا حَدَّ لِلَّهِ (عَالِمٌ بِالتَّحْرِيمِ) لِقَوْلِ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ لَا حَدَّ إلَّا عَلَى مَنْ عَلِمَهُ فَلَا حَدَّ عَلَى مَنْ زَنَى جَاهِلًا بِتَحْرِيمِهِ أَوْ عَيْن الْمَرْأَةَ الَّتِي زَنَى بِهَا بِأَنْ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ بِزَوْجَتِهِ أَوْ أَمَتِهِ.
(فَإِنْ زَنَى الْمَجْنُونُ فِي إفَاقَتِهِ) فَعَلَيْهِ الْحَدُّ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ (أَوْ أَقَرَّ فِي إفَاقَتِهِ أَنَّهُ زَنَى فِي إفَاقَتِهِ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ) قَالَ فِي الْمُبْدِع بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ قَالَ (فَإِنْ أَقَرَّ فِي إفَاقَتِهِ) أَنَّهُ زَنَى (وَلَمْ يُضِفْهُ إلَى حَالِ) إفَاقَةٍ وَلَا جُنُونٍ (أَوْ شَهِدَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ بِالزِّنَا وَلَمْ تُضِفْهُ إلَى إفَاقَتِهِ فَلَا حَدَّ) عَلَيْهِ لِلِاحْتِمَالِ وَالْحُدُودُ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ (وَلَوْ اسْتَدْخَلَتْ ذَكَرَ نَائِمٍ أَوْ زَنَى بِهَا) الرَّجُلُ (وَهِيَ نَائِمَةٌ فَلَا حَدَّ عَلَى النَّائِم مِنْهُمَا) لِحَدِيثِ «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ عَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ وَعَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ (وَإِنْ جَهِلَ) الزَّانِي (تَحْرِيمَ الزِّنَا وَمِثْلُهُ يَجْهَلُهُ أَوْ) جَهِلَ (تَحْرِيمَ عَيْنِ الْمَرْأَة مِثْلَ أَنْ يُزَفَّ إلَيْهِ) امْرَأَةٌ (غَيْرَ امْرَأَتِهِ فَيَظُنُّهَا امْرَأَتَهُ أَوْ تُدْفَعُ إلَيْهِ مُعَارِيَةٌ فَيَظُنُّ أَنَّهَا جَارِيَتُهُ فَيَطَؤُهَا فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ) وَذَلِكَ لِحَدِيثِ:
«ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ مَا اسْتَطَعْتُمْ».
(وَيَأْتِي فِي الْبَابِ بَعْدَهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقِيمَ الْحَدَّ إلَّا الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ) لِأَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَيَفْتَقِرُ إلَى اجْتِهَادٍ وَلَا يُؤْمَنُ مَعَهُ الْحَيْفُ فَوَجَبَ تَفْوِيضُهُ إلَى نَائِبِ اللَّهِ فِي خَلْقِهِ وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُقِيمُ الْحُدُود فِي حَيَاتِهِ وَكَذَلِكَ خُلَفَاؤُهُ بَعْدَهُ (لَكِنْ لَوْ أَقَامَهُ) أَيْ الْحَدَّ (غَيْرُهُ) أَيْ غَيْرَ الْإِمَامِ وَنَائِبِهِ (لَمْ يَضْمَنْهُ نَصًّا فِيمَا حَدَّهُ الْإِتْلَافُ) كَرَجْمِ الزَّانِي الْمُحْصَنِ وَقَتْلِ الْمُرْتَدِّ وَالْقَاتِلِ فِي الْمُحَارَبَةِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَعْصُومٍ كَمَا تَقَدَّمَ وَيُعَزَّرُ لِافْتِيَاتِهِ عَلَى الْإِمَامِ قُلْتُ لَوْ قَطَعَ إنْسَانٌ يَدَ السَّارِقِ الْيُمْنَى هَلْ يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ؟ لَمْ أَقِف وَالْمُتَبَادِرُ تَنَاوُلُ الْعِبَارَةِ لَهُ (إلَّا السَّيِّدَ الْحُرَّ) خَرَجَ الْمُكَاتَبُ (الْمُكَلَّفُ الْعَالِمُ بِهِ) أَيْ بِالْحَدِّ دُونَ الْجَاهِل بِهِ (وَبِشُرُوطِهِ) أَيْ الْحَدِّ (وَلَوْ) كَانَ السَّيِّدُ (فَاسِقًا أَوْ امْرَأَةً فَلَهُ إقَامَةُ الْحَدِّ بِالْجَلْدِ فَقَطْ عَلَى رَقِيقِهِ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا قَالَ:
«إذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيَجْلِدْهَا الْحَدَّ وَلَا يُثَرِّبْ عَلَيْهَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَعَنْ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا:
«أَقِيمُوا الْحُدُودَ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ (وَلَوْ) كَانَ الرَّقِيقُ (مُكَاتَبًا) أَيْ فَلِسَيِّدِهِ إقَامَةُ الْحَدِّ عَلَيْهِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ قَالَ فِي الْإِنْصَافِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَقَالَ فِي تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ وَلَمْ أَعْلَم لَهُ مُتَابِعًا عَلَيْهِ وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ لَا يُقِيمُهُ عَلَيْهِ هُوَ الصَّحِيحُ اخْتَارَهُ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُقْنِعِ وَالْوَجِيزِ وَشَرْحِ ابْنِ الْمُنَجَّا وَنِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ وَمُنْتَخَبِ الْأَزِجِيَّ قَالَ فِي الْمُنَوِّرِ: وَيَمْلِكُهُ السَّيِّدُ مُطْلَقًا عَلَى قِنٍّ وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ قَالَ فِي الْكُبْرَى: وَلَا يُقِيمُ الْحَدَّ عَلَى مُكَاتَبِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُبْدِعِ قَالَ وَفِيهِ وَجْهٌ وَذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ الْمَذْهَب لِأَنَّهُ عَبْدٌ (أَوْ مَرْهُونًا أَوْ مُسْتَأْجَرًا) أَيْ فَلِلسَّيِّدِ إقَامَتُهُ عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُمَا مِلْكَهُ (وَلَوْ أُنْثَى) فَلِلسَّيِّدِ إقَامَةِ الْجَلْدِ عَلَيْهَا لِمَا تَقَدَّمَ.
وَالْحَدُّ الَّذِي يُقِيمُهُ السَّيِّدُ عَلَى قِنِّهِ (كَحَدِّ الزِّنَا وَحْدِ الشُّرْبِ) لِلْمُسْكِرِ (وَحْدِ الْقَذْفِ) لِمُحْصَنٍ (كَمَا) أَنَّ (لَهُ) أَيْ السَّيِّدُ (أَنْ يُعَزِّرَهُ) أَيْ قِنَّهُ (فِي حَقِّ اللَّهِ) تَعَالَى.
(وَ) فِي (حَقِّ نَفْسِهِ) أَيْ السَّيِّد لِمَا تَقَدَّمَ فِي الْمَمَالِيكِ (وَلَا يَمْلِكُ) السَّيِّدُ (الْقَتْلَ) لِقَنِّهِ (فِي الرِّدَّةِ وَ) لَا (الْقَطْعَ فِي السَّرِقَةِ) لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا أُمِرَ بِالْجَلْدِ فَلَا يَثْبُتُ فِي غَيْرِهِ وَلِأَنَّ فِي الْجَلْدِ سَتْرًا عَلَى رَقِيقِهِ لِئَلَّا يَفْتَضِحَ بِإِقَامَةِ الْإِمَامِ لَهُ فَيَنْقُصُ قِيمَتَهُ وَذَلِكَ مُنْتَفٍ فِيهِمَا (بَلْ ذَلِكَ) أَيْ الْقَتْل فِي الرِّدَّةِ وَالْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ (لِلْإِمَامِ) أَوْ نَائِبِهِ لِمَا سَبَقَ.
(وَلَا يَمْلِكُ) السَّيِّدُ (إقَامَتَهُ) أَيْ الْجَلْدُ (عَلَى قِنٍّ مُشْتَرَكٍ) لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَى كُلِّهِ وَالْحَدُّ تَصَرُّفٌ فِي الشَّكْلِ (وَلَا) يَمْلِكُ أَيْضًا إقَامَتَهُ (عَلَى مَنْ بَعْضَهُ حُرٌّ) لِمَا تَقَدَّمَ (وَلَا عَلَى أَمَتِهِ الْمُزَوَّجَةِ) لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ وَلَا مُخَالِفٌ لَهُ فِي الصَّحَابَة وَلِأَنَّ مَنْفَعَتَهَا مَمْلُوكَةٌ لِغَيْرِهِ مِلْكًا غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِوَقْتٍ أَشْبَهَتْ الْمُشْتَرَكَةَ (وَلَا) يَمْلِكُ وَلِيٌّ إقَامَةَ الْحَدِّ (عَلَى رَقِيقِ مُوَلِّيهِ كَأَجْنَبِيِّ) أَيْ كَمَا لَا يَمْلِكُ أَجْنَبِيٌّ إقَامَةَ حَدٍّ عَلَى رَقِيقِ غَيْرِهِ بَلْ يُقِيمُهُ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ (وَلَا يَمْلِكُهُ) أَيْ إقَامَةَ الْحَدِّ عَلَى رَقِيقِهِ (الْمُكَاتَب) لِضَعْفِ مِلْكِهِ.
(وَلَا يُقِيمُهُ) أَيْ الْحَدَّ (السَّيِّدُ حَتَّى يَثْبُتَ) مُوجِبُهُ (عِنْدَهْ إمَّا بِإِقْرَارِ الرَّقِيق الْإِقْرَار الَّذِي يَثْبُتُ بِهِ الْحَدُّ إذَا عَلِمَ) السَّيِّدُ (شُرُوطَهُ) أَيْ الْإِقْرَارَ (أَوْ) يَثْبُتُ (بِبَيِّنَةٍ يَسْمَعُهَا) أَيْ السَّيِّدُ (إنْ كَانَ) السَّيِّدُ (يُحْسِنُ سَمَاعَهَا) أَيْ الْبَيِّنَةَ (وَيَعْرِفُ شُرُوطَ الْعَدَالَةِ) الْمُعْتَبَرَة فِي الشَّهَادَة لِأَنَّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْإِقْرَارِ وَالْبَيِّنَةِ حُجَّةٌ فِي ثُبُوتِهِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَخْتَلِفَ حَالُ السَّيِّدِ فِيهِ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَسْمَع إقْرَارَهُ وَيُقِيمُ الْحَدَّ عَلَيْهِ وَيُقَدِّم سَمَاعَ الْبَيِّنَةِ (وَإِنْ ثَبَتَ) مُوجِبُ الْحَدِّ (بِعِلْمِهِ) أَيْ السَّيِّدِ (فَلَهُ إقَامَتُهُ) لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ عِنْدَ ذَلِكَ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِهِ وَلِأَنَّهُ يَمْلِكُ تَأْدِيبَهُ فَكَذَا هُنَا.
(وَلَا) يَمْلِكُ (إمَامُ وَنَائِبُهُ) إقَامَةَ الْحَدِّ بِعِلْمِهِ عَلَى حُرٍّ وَلَا قِنٍّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} ثُمَّ قَالَ:
{فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمْ الْكَاذِبُونَ} وَلِأَنَّ الْحَاكِمَ مِنْهُمْ بِخِلَافِ السَّيِّدِ.
(وَتَحْرُم إقَامَةُ الْحُدُودِ فِي مَسْجِدِ) بَلَدًا كَانَتْ أَوْ غَيْرَهُ لِمَا رَوَى حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ:
«أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ تُقَامَ الْحُدُودُ فِي الْمَسَاجِدِ» وَرَوَى ابْنُ عُمَرَ أُتِيَ بِرَجُلٍ زَنَا فَقَالَ: «أَخْرِجُوهُ مِنْ الْمَسْجِدِ فَاضْرِبُوهُ» وَعَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ أُتِيَ بِسَارِقٍ فَأَخْرَجَهُ مِنْ الْمَسْجِدِ وَقَطَعَ يَدَهُ وَلِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يُحْدِثَ فِيهِ فَيُنَجِّسُهُ وَيُؤْذِيهِ (فَإِنْ أُقِيمَ) الْحَدُّ (فِيهِ) أَيْ الْمَسْجِدِ (سَقَطَ الْغَرَضُ) لِحُصُولِ الزَّجْرِ وَرُوِيَ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ أَقَامَ الْحَدَّ عَلَى ذِمِّيٍّ فِي الْمَسْجِدِ.

.(فَصْلٌ): كيفية إقامة الحدِّ:

(وَيُضْرَبُ الرَّجُلُ) فِي الْحَدِّ (قَائِمًا) رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَلِأَنَّ قِيَامَهُ وَسِيلَةٌ إلَى إعْطَاءِ كُلٍّ عُضْوٍ حَظَّهُ مِنْ الضَّرْبِ (بِسَوْطٍ) مِنْ غَيْرِ جِلْدٍ (لَا حَدِيدَ فَيُجَرِّحُ وَلَا خَلَقٍ) بِفَتْحِ اللَّامِ وَهُوَ الْبَالِي لِأَنَّهُ لَا يُؤْلِمُ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَغَيْرِهِ (حَجْمَهُ) أَيْ السَّوْط (بَيْنَ الْقَضِيبِ وَالْعَصَا) أَيْ فَوْقَ الْقَضِيبِ وَدُونَ الْعَصَا كَمَا مَرَّ (وَلَا يُضْرَبُ) فِي الْحَدِّ (بِعَصًا وَلَا غَيْرِهَا) مِنْ جِلْدٍ وَنَحْوِهِ لِقَوْلِ عَلِيٍّ ضَرْبٌ بَيْنَ ضَرْبَيْنِ وَسَوْطٌ بَيْنَ سَوْطَيْنِ يَعْنِي وَسَطًا (وَإِنْ كَانَ السَّوْطُ مَغْصُوبًا أَجْزَأَ) الْجَلْدَ بِهِ عَلَى خِلَافِ مُقْتَضَى النَّهْيِ لِلْإِجْمَاعِ ذَكَرَهُ فِي التَّمْهِيدِ (وَإِنْ رَأَى الْإِمَامُ الْجَلْدَ فِي حَدِّ الْخَمْرِ بِالْجَرِيدِ وَالنِّعَالِ وَالْأَيْدِي فَلَهُ) أَيْ الْإِمَامُ (ذَلِكَ) لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أُتِيَ بِشَارِبٍ فَقَالَ: اضْرِبُوهُ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَمِنَّا الضَّارِبُ بِنَعْلِهِ وَالضَّارِبُ بِثَوْبِهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
(وَلَا يُمَدُّ الْمَحْدُودُ وَلَا يُرْبَطُ وَلَا تُشَدُّ يَدُهُ وَلَا يُجَرَّدُ) مِنْ ثِيَابِهِ لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ: لَيْسَ فِي دِينِنَا مَدٌّ وَلَا قَيْدٌ وَلَا تَجْرِيدٌ (بَلْ يَكُونُ عَلَيْهِ غَيْرَ ثِيَابِ الشِّتَاءِ كَالْقَمِيصِ وَالْقَمِيصَيْنِ) صِيَانَةً لَهُ عَنْ التَّجْرِيدِ مَعَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَرُدُّ أَلَمَ الضَّرْبِ وَلَا يَضُرُّ بَقَاؤُهُمَا عَلَيْهِ (وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ فَرْوَةٌ أَوْ جُبَّةٌ مَحْشُوَّةٌ نُزِعَتْ) لِأَنَّهُ لَوْ تُرِكَ عَلَيْهِ ذَلِكَ لَمْ يُبَالِ بِالضَّرْبِ (وَلَا يُبَالِغُ فِي ضَرْبِهِ بِحَيْثُ يَشُقُّ الْجِلْدَ) لِأَنَّ الْغَرَض تَأْدِيبُهُ وَزَجْرُهُ عَنْ الْمَعْصِيَةِ لَا قَتْلَهُ وَالْمُبَالَغَةُ تُؤَدِّي إلَى ذَلِكَ (وَلَا يُبْدِي) الضَّارِبُ (إبْطَهُ فِي رَفْعِ يَدِهِ) أَيْ لَا يَرْفَعُ يَدَهُ بِحَيْثُ يَظْهَرُ إبْطُهُ لِأَنَّ ذَلِكَ مُبَالَغَةٌ فِي الضَّرْبِ.
(وَيُسَنُّ تَفْرِيقُ الضَّرْبِ عَلَى أَعْضَائِهِ) أَيْ الْمَحْدُودِ (وَجَسَدِهِ فَلَا يُوَالِي) الضَّرْبَ (فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ) لِيَأْخُذَ كُلُّ عُضْوٍ مِنْهُ حَظَّهُ وَ(لِئَلَّا يَشُقُّ الْجِلْدَ) أَوْ يُؤَدِّي إلَى الْقَتْلِ (فَإِنْ فَعَلَ) أَيْ وَالَى الضَّرْبَ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ (أَجْزَأَ) ذَلِكَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ (وَيُكْثِرُ مِنْهُ) أَيْ الضَّرْبُ (فِي مَوْضِعِ اللَّحْمِ كَالْأَلْيَتَيْنِ وَالْفَخِذَيْنِ) لِأَنَّهَا أَشَدُّ تَحَمُّلًا (وَيَتَّقِي) الضَّارِبُ (الرَّأْسَ وَالْوَجْهَ) لِقَوْلِ عَلِيٍّ لِلْجَلَّادِ اضْرِبْ وَأَوْجِعْ وَاتَّقِ الرَّأْسَ وَالْوَجْهَ.
(وَ) يَتَّقِي (الْفَرْجَ وَالْبَطْنَ مِنْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَمَوْضِعَ الْقَتْلِ فَيَجِب اجْتِنَابُهَا) لِأَنَّ ضَرْبَهَا يُؤَدِّي إلَى الْقَتْلِ وَهُوَ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِهِ بَلْ مَأْمُورٌ بِعَدَمِهِ (وَتُضْرَبُ الْمَرْأَةُ جَالِسَةً وَتُشَدُّ عَلَيْهَا ثِيَابُهَا وَتُمْسَكُ يَدَاهَا لِئَلَّا تَنْكَشِفَ) لِقَوْلِ عَلِيٍّ تُضْرَبُ الْمَرْأَةُ جَالِسَةً وَالرَّجُلُ قَائِمًا وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ عَوْرَةٌ وَهَذَا أَسْتَرُ لَهَا (وَيُضْرَبُ مِنْهَا) أَيْ الْمَرْأَةَ (الظَّهْرَ وَمَا قَارَبَهُ) أَيْ الظَّهْرَ وَكَذَا لَوْ ضُرِبَ الرَّجُلُ جَالِسًا.
(وَيُعْتَبَرُ لَهُ) أَيْ الْحَدُّ أَيْ إقَامَتِهِ (نِيَّةٌ لِيَصِيرَ قُرْبَةً فَيَضْرِبُهُ لِلَّهِ وَلِمَا وَضَعَ اللَّهُ ذَلِكَ) لِأَجْلِهِ كَالزَّجْرِ لِحَدِيثِ «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» (فَإِنْ جَلَدَ لِلتَّشَفِّي أَثِمَ) لِأَنَّهُ عُدْوَانٌ وَلَيْسَ بِحَدٍّ (وَلَا يُعِيدُهُ) لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِالْمَحْدُودِ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: عَلَى الْمُقِيمِ لَهَا أَيْ الْحُدُودِ أَنْ يَقْصِدَ بِهَا النَّفْعَ وَالْإِحْسَانَ كَمَا يَقْصِدُ الْوَالِدُ بِعُقُوبَةِ الْوَلَدِ وَالطَّبِيبُ بِدَوَاءِ الْمَرِيضِ فَلَمْ يَأْمُرْ الشَّرْعُ إلَّا بِمَا هُوَ نَفْعٌ لِلْعِبَادِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِ أَنْ يَقْصِدَ ذَلِكَ (وَلَا تُعْتَبَر الْمُوَالَاةُ فِي الْحُدُودِ) أَيْ فِي الْجَلْدِ فِيهَا لِمَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ الْعُقُوبَةِ وَسُقُوطِهِ بِالشُّبْهَةِ.
(قَالَ الشَّيْخُ وَفِيهِ نَظَرٌ) وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ (وَالْجَلْدُ فِي الزِّنَا أَشَدُّ الْجَلْدِ ثُمَّ جَلْدُ الْقَذْفِ ثُمَّ الشُّرْبِ) نَصَّ عَلَيْهِ (ثُمَّ التَّعْزِيرِ) لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَصَّ الزِّنَا بِمَزِيدِ التَّأْكِيدِ بِقَوْلِهِ {وَلَا تَأْخُذُكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ} وَلِأَنَّ مَا دُونَهُ أَخَفُّ مِنْهُ عَدَدًا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَزِيدَ فِي إيلَامِهِ وَوَجَعِهِ لِأَنَّ مَا كَانَ أَخَفَّ فِي عَدَدِهِ كَانَ أَخَفَّ فِي صِفَتِهِ وَحَدُّ الْقَذْفِ حَقُّ آدَمِيٍّ وَحَدُّ الشُّرْبِ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى وَالتَّعْزِيرُ لَا يَبْلُغُ بِهِ الْحَدَّ.
(وَكُلُّ مَوْضِعٍ وَجَبَ فِيهِ الضَّرْبُ مِنْ حَدٍّ أَوْ تَعْزِيرٍ فَشَرْطُهُ التَّأْلِيمُ) لِقَوْلِ عَلِيٍّ اضْرِبْ وَأَوْجِعْ.
(وَيَحْرُمُ حَبْسُهُ) أَيْ الْمَحْدُودُ (بَعْدَ الْحَدِّ وَأَذَاهُ بِالْكَلَامِ) كَالتَّعْيِيرِ عَلَى كَلَامِ الْقَاضِي وَابْنِ الْجَوْزِيّ لِنَسْخِهِ بِشَرْعِ الْحَدِّ كَنَسْخِ حَبْسِ الْمَرْأَةِ.
(وَلَا يُؤَخَّرُ حَدُّ الزِّنَا لِمَرَضٍ رَجْمًا كَانَ) الْحَدُّ (أَوْ جَلْدًا لِأَنَّهُ) أَيْ الْحَدَّ (يَجِبُ عَلَى الْفَوْرِ) وَلَا يُؤَخَّرُ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ بِغَيْرِ حُجَّةٍ وَلِأَنَّ عُمَرَ أَقَامَ الْحَدَّ عَلَى قُدَامَةَ بْنِ مَظْعُونٍ فِي مَرَضِهِ وَلَمْ يُؤَخِّرْهُ وَانْتَشَرَ ذَلِكَ فِي الصَّحَابَةِ وَلَمْ يُنْكَرْ فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ (وَيُقَامُ) الْحَدُّ (فِي الْحَرِّ وَالْبَرْدِ) وَلَوْ مُفْرِطَيْنِ كَالْمَرَضِ (فَإِنْ كَانَ) الْمَحْدُودُ (مَرِيضًا أَوْ) كَانَ (نِضْوُ الْخِلْقَةِ أَوْ فِي شِدَّةِ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ وَكَانَ الْحَدُّ جَلْدًا أُقِيمَ عَلَيْهِ) الْحَدُّ (بِسَوْطٍ يُؤْمَنُ مَعَهُ التَّلَفُ) لِحَدِيثِ:
«إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» (فَإِنْ كَانَ لَا يُطِيقُ الضَّرْبَ وَخُشِيَ عَلَيْهِ) أَيْ الْمَحْدُودِ (مِنْ السَّوْط أُقِيمَ) عَلَيْهِ الْحَدُّ (بِأَطْرَافِ الثِّيَابِ وَ) بِ (الْقَضِيبِ الصَّغِيرِ وَشِمْرَاخِ النَّخْلِ) لِئَلَّا يُفْضِي مَا فَوْقَ ذَلِكَ إلَى إتْلَافِهِ (فَإِنْ خِيفَ عَلَيْهِ) مِنْ الْقَضِيبِ وَنَحْوِهِ (ضُرِبَ بِمِائَةِ شِمْرَاخٍ مَجْمُوعَةً أَوْ عُثْكُولٍ ضَرْبَةً وَوَاحِدَةً أَوْ بِخَمْسِينَ شِمْرَاخًا ضَرْبَتَيْنِ) لِمَا رَوَى أَبُو أُمَامَةَ بْنُ سَهْلِ بْنِ حَنِيفٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«أَنَّ رَجُلًا اشْتَكَى حَتَّى ضَنِيَ فَدَخَلَتْ عَلَيْهِ امْرَأَةٌ فَهَشَّ لَهَا فَوَقَعَ بِهَا فَسُئِلَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَأْخُذُوا مِائَةَ شِمْرَاخٍ فَيَضْرِبُوهُ ضَرْبَةً وَاحِدَةً» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِر فِي إسْنَادِهِ مَقَالٌ وَالْعُثْكُولُ بِوَزْنِ عُصْفُورٍ الضِّغْث بِالضَّادِ وَالْغَيْنِ الْمُعْجَمَتَيْنِ وَالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ.
(وَلَا يُقَامُ) الْحَدُّ (رَجْمًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ عَلَى حُبْلَى وَلَوْ مِنْ زِنًا حَتَّى تَضَعَ) لِئَلَّا يَتَعَدَّى إلَى الْحَمْلِ (فَإِنْ كَانَ) الْحَدُّ (رَجْمًا لَمْ تُرْجَمْ حَتَّى تَسْقِيَهُ اللِّبَأَ) لِمَا تَقَدَّمَ فِي الْقِصَاصِ (ثُمَّ) إذَا سَقَتْ اللِّبَأَ (إنْ كَانَ لَهُ مَنْ يُرْضِعُهُ أَوْ تَكَفَّلَ أَحَدٌ بِرَضَاعِهِ رُجِمَتْ) لِأَنَّهُ لَا ضَرَر عَلَيْهِ إذَنْ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْ يُرْضِعُهُ وَلَمْ يَتَكَفَّلْ أَحَدٌ بِرَضَاعِهِ (تُرِكَتْ حَتَّى تَفْطِمَهُ) لِيَزُولَ عَنْهُ الضَّرَرُ (وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ حَمْلُهَا) أَيْ الزَّانِيَة (لَمْ يُؤَخَّرْ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ حَمَلَتْ مِنْ الزِّنَا) لِأَنَّ إقَامَةَ الْحَدِّ وَاجِبَةٌ فَوْرًا وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْحَمْلِ (وَإِنْ ادَّعَتْ) الزَّانِيَةُ (الْحَمْلَ قُبِلَ قَوْلُهَا) لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ.
(وَإِنْ كَانَ) الْحَدُّ (جَلْدًا إذَا وَضَعَتْهُ وَانْقَطَعَ النِّفَاسُ وَكَانَتْ قَوِيَّةٌ يُؤْمَنُ تَلَفُهَا أُقِيمَ عَلَيْهَا الْحَدُّ) لِحَدِيثِ عَلِيٍّ قَالَ:
«إنَّ أَمَةً لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَنَتْ فَأَمَرَنِي أَنْ أَجْلِدَهَا فَإِذَا هِيَ حَدِيثَةُ عَهْدٍ بِنِفَاسٍ فَخَشِيتُ إنْ أَنَا جَلَدْتُهَا أَنْ أَقْتُلَهَا فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَحْسَنْتَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُد (وَإِنْ كَانَتْ) الْمَحْدُودَةُ (فِي نِفَاسِهَا أَوْ ضَعِيفَةً يُخَافُ عَلَيْهَا لَمْ يُقَمْ عَلَيْهَا) الْحَدُّ (حَتَّى تَطْهُرَ وَتَقْوَى) لِيُسْتَوْفَى الْحَدُّ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ مِنْ غَيْرِ خَوْفِ فَوَاتِهِ وَبِهِ فَارَقَتْ الْمَرِيضَ (وَهَذَا) هُوَ (الَّذِي تَقْضِيهِ السُّنَّةُ الصَّحِيحَةُ) مِنْهَا مَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ وَمِنْهَا حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ «أَنَّ الْمَرْأَةَ انْطَلَقَتْ فَوَلَدَتْ غُلَامًا فَجَاءَتْ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهَا: انْطَلِقِي فَتَطَهَّرِي مِنْ الدَّمِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد (وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ يُقَامُ عَلَيْهَا الْحَدُّ فِي الْحَالِ بِسَوْطٍ يُؤْمَنُ مَعَهُ التَّلَفُ فَإِنْ خِيفَ عَلَيْهَا مِنْ السَّوْطِ أُقِيمَ) الْحَدُّ (بِالْعُثْكُولِ وَأَطْرَافِ الثِّيَابِ) كَالْمَرِيضِ.
(وَتَقَدَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ وَيُؤَخَّرُ) إقَامَةُ الْحَدِّ عَلَى (سَكْرَانٍ حَتَّى يَصْحُوَ) لِيَحْصُلَ الْمَقْصُودُ مِنْ إقَامَةٍ الْحَدِّ وَهُوَ الزَّجْرُ (فَلَوْ خَالَفَ وَحَدَّهُ) أَيْ السَّكْرَانَ قَبْلَ صَحْوِهِ (سَقَطَ) قَالَ فِي الْمُنْتَهَى وَشَرْحِهِ إنْ حَسَّ بِأَلَمِ الضَّرْبِ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مَا يَزْجُرهُ (وَيُؤَخَّرْ قَطْعُ خَوْفِ تَلَفٍ) أَيْ مَوْتِ الْمَحْدُودِ بِالْقَطْعِ لِأَنَّهُ حَيْفٌ (وَإِنْ مَاتَ) الْمَحْدُودُ (فِي حَدٍّ أَوْ قَطْعِ سَرِقَةٍ أَوْ تَعْزِيرٍ أَوْ تَأْدِيبٍ مُعْتَاد) مِنْ سُلْطَانٍ أَوْ مُعَلِّمٍ أَوْ وَالِدٍ أَوْ زَوْجٍ (وَتَقَدَّمَ فِي الدِّيَاتِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى أَحَدٍ لِأَنَّهُ حَدٌّ وَجَبَ لِلَّهِ تَعَالَى فَلَمْ يَجِبْ فِيهِ شَيْءٌ لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْ اللَّه وَلِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ شَرْعًا كَسِرَايَةِ الْقِصَاصِ (إنْ لَمْ يَلْزَمْ التَّأْخِيرُ فَإِنْ لَزِمَ) التَّأْخِيرُ بِأَنْ خِيفَ التَّلَفَ مِنْ الْقَطْعِ (وَلَمْ يُؤَخِّرْ) الْقَطْعَ (ضَمِنَ) الْقَاطِعُ الْمَقْطُوعَ إنْ سَرَى إلَيْهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ إذَنْ.
(وَإِنْ زَادَ) الْجَلَّادُ (فِي الْحَدِّ سَوْطًا أَوْ أَكْثَر عَمْدًا أَوْ خَطَأً أَوْ) زَادَ (فِي السَّوْطِ) بِأَنْ ضَرَبَ بِأَكْبَرَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّهُ يَضْرِبُ بِهِ (أَوْ اعْتَمَدَ) الْجَلَّادُ (فِي ضَرْبِهِ أَوْ) ضَرَبَ (بِسَوْطٍ لَا يَحْتَمِلُهُ) لِمَرَضٍ أَوْ نَحْوِهِ (ضَمِنَهُ) لِأَنَّهُ تَلِفَ بِعُدْوَانِهِ أَشْبَهَ مَا لَوْ ضَرَبَهُ فِي غَيْرِ الْجَلْدِ (بِكُلِّ الدِّيَةِ) لِأَنَّهُ قَتْلٌ حَصَلَ مِنْ جِهَةِ اللَّهِ وَعُدْوَانِ الضَّارِب فَكَانَ الضَّمَانُ عَلَى الضَّارِبِ كَمَا لَوْ ضَرَبَ مَرِيضًا سَوْطًا فَقَتَلَهُ (كَمَا إذَا أَلْقَى عَلَى سَفِينَةٍ مُوَقَّرَةٍ حَجَرًا فَغَرَّقَهَا فَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ مِنْ الْجَلَّادِ مِنْ غَيْرِ أَمْرِ) أَحَدٍ (فَالضَّمَانُ عَلَى عَاقِلَتِهِ) إنْ كَانَ خَطَأً كَسَائِرِ أَنْوَاعِ الْخَطَإِ.
(وَمَنْ أُمِرَ بِزِيَادَةٍ فَزَادَ جَاهِلًا تَحْرِيمَهَا) أَيْ الزِّيَادَة فَتَلِفَ الْمَضْرُوبُ (ضَمِنَهُ الْآمِرُ) كَمَا لَوْ أَمَرَ بِالْقَتْلِ مُكَلَّفًا يَجْهَلُ تَحْرِيمَهُ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الضَّارِبُ جَاهِلًا تَحْرِيمَ الزِّيَادَةِ ضَمِنَهُ (الضَّارِبُ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مَعْذُورٍ وَكَمَنْ أَمَرَ بِالْقَتْلِ مُكَلَّفًا يَعْلَمُ تَحْرِيمَهُ (وَإِنْ تَعَمَّدَهُ) أَيْ الزَّائِدُ (الْعَادَّةُ فَقَطْ) ضَمِنَهُ وَحْدَهُ دُونَ الضَّارِبِ وَغَيْرِهِ (أَوْ أَخْطَأَ) الْعَادَّةَ فِي الْعَدَدِ (وَادَّعَى الضَّارِبُ الْجَهْلَ ضَمِنَهُ الْعَادُّ) هَكَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَقَالَهُ فِي الْإِنْصَافِ وَغَيْرِهِ وَفِي بَعْضِهَا مَشْطُوبٌ عَلَيْهِ وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ (وَتَعَمَّدَ الْإِمَامُ الزِّيَادَةَ) فِي الضَّرْبِ (شِبْهَ عَمْدٍ تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ) لِأَنَّ الدِّيَةَ وَجَبَتْ نِهَايَةً فَكَانَتْ عَلَى عَاقِلَتِهِ كَمَا لَوْ رَمَى صَيْدًا فَقَتَلَ آدَمِيًّا وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ خَطَئِهِ فِي حُكْمِهِ لِيَكُونَ فِي بَيْتِ الْمَالِ.
(وَإِنْ كَانَ الْحَدُّ رَجْمًا لَمْ يُحْفَرْ لَهُ) أَيْ الْمَرْجُومُ (رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً) لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمْ يَحْفِرْ لِمَاعِزٍ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ «لَمَّا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجْمِ مَاعِزٍ خَرَجْنَا بِهِ إلَى الْبَقِيعِ فَوَاَللَّهِ مَا حَفَرْنَا لَهُ وَلَا أَوْثَقْنَاهُ وَلَكِنْ قَامَ لَنَا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالْمَرْأَةُ كَذَلِكَ نَصَرَهُ فِي الْمُغْنِي لِأَنَّ أَكْثَرَ الْأَحَادِيثِ عَلَى تَرْكِ الْحَفْرِ وَسَوَاءٌ (ثَبَتَ) الزِّنَا (بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ، وَتُشَدُّ ثِيَابُ الْمَرْأَةِ لِئَلَّا تَنْكَشِفَ) لِحَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ «فَأَمَرَ بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشُدَّتْ عَلَيْهَا ثِيَابُهَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد (وَالسُّنَّةُ أَنْ يَدُورَ النَّاسُ حَوْلَ الْمَرْجُومِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ كَالدَّائِرَةِ إنْ كَانَ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ) لِأَنَّهُ لَا حَاجَة إلَى تَمْكِينِهِ مِنْ الْهَرَبِ وَ(لَا) يُسَنُّ ذَلِكَ إنْ كَانَ زِنَاهُ ثَبَتَ (بِإِقْرَارٍ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَهْرُبَ فَيُتْرَكُ) وَلَا يُتَمَّمُ عَلَيْهِ الْحَدُّ.
(وَيُسَنُّ حُضُورُ مَنْ شَهِدَ بِالزِّنَا وَبُدَاءَتُهُمْ) أَيْ الشُّهُودُ (بِالرَّجْمِ وَإِنْ كَانَ) الزِّنَا (ثَبَتَ بِإِقْرَارِ) الزَّانِي (بَدَأَ الْإِمَامُ أَوْ الْحَاكِمُ إنْ كَانَ ثَبَتَ عِنْدَهُ ثُمَّ يَرْجُمُ النَّاسُ) لِمَا رَوَى سَعِيدٌ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَلِيٍّ: «الرَّجْمُ رَجَمَانِ فَمَا كَانَ مِنْهُ بِإِقْرَارٍ فَأَوَّلُ مَنْ يَرْجُمُ الْإِمَامُ ثُمَّ النَّاسُ وَمَا كَانَ بِبَيِّنَةٍ فَأَوَّلُ مَنْ يَرْجُمُ الْبَيِّنَةُ ثُمَّ النَّاسُ» وَلِأَنَّ فِعْلَ ذَلِكَ أَبْعَدُ لَهُمْ مِنْ التُّهْمَةِ فِي الْكَذِبِ عَلَيْهِ (وَيَجِب حُضُورُ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ فِي كُلِّ حَدٍّ) لِلَّهِ أَوْ لِآدَمِيٍّ كَمَا فِي اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ (وَمَنْ أَذِنَ لَهُ) الْإِمَامُ (فِي إقَامَةِ الْحَدِّ فَهُوَ نَائِبُهُ) يَكْفِي حُضُورُهُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«وَامْضِ يَا أُنَيْسُ إلَى امْرَأَةِ هَذَا فَإِنْ أَقَرَّتْ فَارْجُمْهَا».
(وَيَجِبُ حُضُورُ طَائِفَةٍ فِي حَدِّ الزِّنَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ} (وَلَوْ وَاحِدًا) وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي طَلْحَةَ قَالَ فِي الْمُبْدِع وَهُوَ مُنْقَطِعٌ (مَعَ مَنْ يُقِيمُ الْحَدَّ) لِأَنَّ الَّذِي يُقِيمُ الْحَدَّ حَاضِرٌ ضَرُورَةً فَتَعَيَّنَ صَرْفُ الْأَمْرِ إلَى غَيْرِهِ (وَمَتَى رَجَعَ الْمُقِرُّ بِحَدِّ الزِّنَا أَوْ) حَدِّ (سَرِقَةٍ أَوْ) حَدِّ (شُرْبٍ قَبْلَ الْحَدِّ عَنْ إقْرَارِهِ بِأَنْ يَقُولَ كَذَبْتُ فِي إقْرَارِي أَوْ) يَقُولُ (لَمْ أَفْعَل مَا أَقْرَرْتُ بِهِ أَوْ) يَقُولُ (رَجَعْتُ عَنْ إقْرَارِي وَنَحْوَهُ) فَلَمْ يَصْدُرْ مِنِّي مَا أَقْرَرْتُ بِهِ (قُبِلَ مِنْهُ) رُجُوعُهُ (وَسَقَطَ عَنْهُ الْحَدُّ) لِأَنَّ مَاعِزًا لَمَّا هَرَبَ وَقَالَ لَهُمْ رَدُّونِي إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «فَهَلَّا تَرَكْتُمُوهُ يَتُوبُ فَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَيْهِ» قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرّ ثَبَتَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِ.
(وَإِنْ رَجَعَ) عَنْ إقْرَارِهِ (فِي أَثْنَائِهِ) أَيْ الْحَدِّ (أَوْ هَرَبَ) الْمُقِرُّ فِي أَثْنَاءِ الْحَدّ (تُرِكَ وُجُوبًا) لِمَا تَقَدَّمَ وَلِأَنَّ ذَلِكَ شُبْهَةٌ وَالْحُدُودُ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ (وَإِنْ قَالَ) الْمُقِرُّ (رُدُّونِي إلَى الْحَاكِمِ وَجَبَ رَدُّهُ) إلَيْهِ لِمَا سَبَقَ (فَإِنْ تَمَّمَ عَلَيْهِ الْحَدَّ ضَمِنَ الْمُتَمِّمُ) لِلْحَدِّ (الرَّاجِعِ) عَنْ إقْرَارِهِ (بِالدِّيَةِ) لِأَنَّهُ قَدْ زَالَ إقْرَارُهُ بِالرُّجُوعِ عَنْهُ و(لَا) يُضْمَنُ (الْهَارِبُ وَلَا مَنْ طَلَبَ الرَّدَّ إلَى الْحَاكِمِ) فَتَمَّمَ عَلَيْهِ الْحَدَّ لِخَبَرِ مَاعِزٍ وَسَبَقَ (وَلَا قَوَدَ) عَلَى الْمُتَمِّمِ لِلْحَدِّ وَلَوْ عَلَى الْمُصَرِّحِ بِالرُّجُوعِ لِأَنَّ الْقِصَاصَ كَالْحَدِّ يُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ (وَإِنْ رُجِمَ) لِثُبُوتِ الْحَدَّ (بِبَيِّنَةٍ فَهَرَبَ لَمْ يُتْرَكْ) لِأَنَّ زِنَاهُ ثَبَتَ عَلَى وَجْهٍ لَا يَبْطُلُ بِرُجُوعِهِ فَلَمْ يُؤَثِّرْ رُجُوعُهُ وَلَا هَرَبُهُ.